الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
وقرأ السدي {والأرضَ} بالنصب بإضمار فعل، والوقف- على هذا- في {السماوات} وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد {والأرضُ} بالرفع على الابتداء، والخبر قوله: {يمرون} وعلى القراءة بخفض {الأرضِ} ف {يمرون} نعت الآية. وفي مصحف عبد الله: {والأرض يمشون عليها}. وقوله: {وما يؤمن أكثرهم} الآية، قال ابن عباس: هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه، أو من حيث قالوا عزير ابن الله، والمسيح ابن الله. وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب، وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت، فسماه إيماناً وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان والأصنام-فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها. وقيل: هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول: لبيك لا شريك لك، يقول له: قط قط، أي قف هنا ولا تزد: إلا شريك هو لك.وال {غاشية} ما يغشي ويغطي ويغم، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد الله: {يأتيهم الساعة بغتة} بالياء، و{بغتة} معناه: فجأة، وذلك أصعب، وهذه الآية من قوله: {وكأين} وإن كانت في الكفار-بحكم ما قبلها- فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغوياً كالرياء، فقد قال عليه السلام:الرياء: الشرك الأصغر.وقوله تعالى: {قل هذه سبيلي} الآية، إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها. قال ابن زيد: المعنى: هذا أمري وسنتي ومنهاجي.وقرأ ابن مسعود: {قل هذا سبيلي} والسبيل: المسلك، وتؤنث وتذكر، وكذلك الطريق، و{بصيرة}: اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين، والبصيرة أيضاً في كلام العرب: الطريقة في الدم، وفي الحديث المشهور: «تنظر في النصل فلا ترى بصيرة»، وبها فسر بعض الناس قول الأشعر الجعفي: يصف قوماً باعوا دم وليهم فكأن دمه حصلت منه طرائق على أكتفاهم إذ هم موسومون عند الناس ببيع ذلك الدم.قال القاضي أبو محمد: ويجوز أن تكون البصيرة في بيت الأشعر على المعتقد الحق، أي جعلوا اعتقادهم طلب النار وبصيرتهم في ذلك وراء ظهورهم، كما تقول: طرح فلان أمري وراء ظهره.وقوله: {أنا ومن اتبعني} يحتمل أن يكون تأكيداً للضمير في {ادعوا} ويحتمل أن تكون الآية كلها أمارة بالمعروف داعية إلى الله الكفرة به والعصاة.و{سبحان الله} تنزيه لله، أي وقل: سبحان الله، وقل متبرئاً من الشرك. وروي أن هذه الآية: {قل هذه سبيلي} إلى آخرها كانت مرقومة على رايات يوسف عليه السلام.
وفي رواية:فلو أقوت عليك ديار إلخ.وكما يقال: مسجد الجامع، ونحو هذا، وقال البصريون: هذه على حذف مضاف تقديره: ولدار الحياة الآخرة أو المدة الآخرة.قال القاضي أبو محمد: وهذه الأسماء التي هي للأجناس كمسجد وثوب وحق وجبل ونحو ذلك- إذا نطق بها الناطق لم يدر ما يريد بها، فتضاف إلى معرف مخصص للمعنى المقصود فقد تضاف إلى جنس آخر كقولك: جبل أحد، وقد تضاف إلى صفة كقولك: مسجد الجامع وحق اليقين، وقد تضاف إلى اسم خاص كقولك جبل أحد ونحوه.وقرأ الحسن والأعمش والأعرج وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وعلقمة {يعقلون} بالياء، واختلف عن الأعمش. قال أبو حاتم: قراءة العامة: {أفلا تعقلون} بالتاء من فوق.ويتضمن قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوا أممهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات، صاروا في حيز من يعتبر بعاقبته، فلهذا المضمن حسن أن تدخل {حتى} في قوله: {حتى إذا استيأس الرسل}.وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والحسن وعائشة- بخلاف- وعيسى وقتادة ومحمد بن كعب والأعرج وأبو رجاء وابن أبي مليكة {كُذّبوا} بتشديد الذال وضم الكاف، وقرأ الباقون {كُذِبوا} بضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها- وهي قراءة علي بن أبي طالب وأبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وطلحة والأعمش وابن جبير ومسروق والضحاك وإبراهيم وأبي جعفر، ورواها شيبة بن نصاح عن القاسم عن عائشة- وقرأ مجاهد والضحاك وابن عباس وعبد الله بن الحارث- بخلاف عنهم- {كَذَبوا} بفتح الكاف والذال، فأما الأولى فتحتمل أن يكون الظن بمعنى اليقين، ويكون الضمير في {ظنوا} وفي {كذبوا} للرسل، ويكون المكذبون مشركي من أرسل إليه؛ المعنى: وتيقن الرسل أن المشركين كذبوهم وهموا على ذلك وأن الانحراف عنه ويحتمل أن يكون الظن على بابه، والضميران للرسل، والمكذبون مؤمنو من أرسل إليه، أي مما طالت المواعيد حسب الرسل أن المؤمنين أولاً قد كذبوهم وارتابوا بقولهم.وأما القراءة الثانية- وهي ضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها- فيحتمل أن يكون المعنى- حتى إذا استيأس الرسل من النصر أو من إيمان قومهم- على اختلاف تأويل المفسرين في ذلك- وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوءة، أو فيما توعدوهم به من العذاب- لما طال الإمهال واتصلت العافية- فلما كان المرسل إليهم- على هذا التأويل- مكذبين- بني الفعل للمفعول في قوله: {كُذِبوا}- هذا مشهور قول ابن عباس وابن جبير- وأسند الطبري: أن مسلم بن يسار قال لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل مبلغ: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا} فهذا هو أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا مخففة. فقال له ابن جبير: يا أبا عبد الرحمن؛ إنما يئس الرسل من قومهم أن يجيبوهم، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم، فحينئذ جاء النصر. فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال: فرجت عني فرج الله عنك.قال القاضي أبو محمد: فرضي الله عنهم كيف كان خلقهم في العلم. وقال بهذا التأويل- في هذه القراءة- ابن مسعود ومجاهد، ورجح أبو علي الفارسي هذا التأويل، وقال: إن رد الضمير في {ظنوا} وفي {كذبوا} على المرسل إليهم- وإن كان لم يتقدم لهم ذكر صريح- جائز لوجهين.أحدهما: أن ذكر الرسل يقتضي ذكر مرسل إليه.والآخر: أن ذكرهم قد أشير إليه في قوله: {عاقبة الذين}، وتحتمل هذه القراءة أيضاً أن يكون الضمير في {ظنوا} وفي {كذبوا} عائد على الرسل، والمعنى: كذبهم من أخبرهم عن الله، والظن على بابه- وحكى هذا التأويل قوم من أهل العلم- والرسل بشر فضعفوا وساء ظنهم- قاله ابن عباس وابن مسعود أيضاً وابن جبير- وقال: ألم يكونوا بشراً؟ وقال ابن مسعود لمن سأله عن هذا هو الذي نكره. وردت هذا التأويل عائشة أم المؤمنين وجماعة من أهل العلم، وأعظموا أن توصف الرسل بهذا. وقال أبو علي الفارسي: هذا غير جائز على الرسل.قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصواب، وأين العصمة والعلم؟وأما القراءة الثالثة- وهي فتح الكاف والذال- فالضمير في {ظنوا} للمرسل إليهم، والضمير في {كذبوا} للرسل، ويحتمل أن يكون الضميران للرسل، أي ظن الرسل أنهم قد كذبوا من حيث نقلوا الكذب وإن كانوا لم يتعمدوه، فيرجع هذا التأويل إلى المعنى المردود الذي تقدم ذكره.وقوله: {جاءهم نصرنا} أي بتعذيب أممهم الكافرة، ثم وصف حال مجيء العذاب في أنه ينجي الرسل وأتباعهم، وهم الذين شاء رحمتهم، ويحل بأسه بالمجرمين الكفرة.وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي {فنُنْجي}- بنونين- من أنجى. وقرأ الحسن: {فننَجي}- النون الثانية مفتوحة، وهو من نجى ينجّي. وقرأ أبو عمرو أيضاً وقتادة {فنجّي}- بنون واحدة وشد الجيم وسكون الياء- فقالت فرقة: إنها كالأولى أدغمت النون الثانية في الجيم؛ ومنع بعضهم أن يكون هذا موضع إدغام لتنافر النون والجيم في الصفات لا في المخارج، وقال: إنما حذفت النون في الكتاب لا في اللفظ وقد حكيت هذه القراءة عن الكسائي ونافع. وقرأ عاصم وابن عامر {فنجيَ} بفتح الياء على وزن فعل. وقرأت فرقة {فننجيَ}- بنونين وفتح الياء- رواها هبيرة عن حفص عن عاصم- وهي غلط من هبيرة. وقرأ ابن محيصن ومجاهد {فنجى}- فعل ماض بتخفيف الجيم وهي قراءة نصر بن عاصم والحسن بن أبي الحسن وابن السميفع وأبي حيوة، قال أبو عمرو الداني: وقرأت لابن محيصن {فنجّى}- بشد الجيم- على معنى فنجى النصر.والبأس: العذاب. وقرأ أبو حيوة «من يشاء»- بالياء- وجاء الإخبار عن هلاك الكافرين، بقوله: {ولا يرد بأسنا...} الآية- إذ في هذه الألفاظ وعيد بين، وتهديد لمعاصري محمد عليه السلام. وقرأ الحسن {بأسه}، بالهاء.
|